دبلوماسية دولة الجزائر البحرية بين الإخوة والأعداء

تمثال الرايس حميدو في متحف الجيش الوطني الشعبي
مأخوذة من الموسوعة الحرة ويكيبيديا


 امتلکت ولازلت الجزائر تمتلك القوة الناعمة التي كسبت وتكسب بها قلوب الأعداء قبل الإخوان، لذا فقد سعت الجزائر لنسج علاقات متوازنة مع جوارها الحضاري، بينما تكشر عن أنيابها إذا ما تعدت دولة أجنبية الخطوط الحمراء خاصة في البحر الأبيض المتوسط، فقد فرضت دولة الجزائر البحرية منطقها وسياستها قرابة أربعة قرون، وتنافست دول أوروبية كبرى لكسب ود الجزائر وامضاء اتفاقيات معها، إلا أن من نوامس هذا الكون تسقط كل أمة يوسدها البضخ وتصبح أمورها في أيدي سفهاءها ويتصارع ساستها على الحكم، وهذا ما حدث للجزائر عام 1830

نسجت دولة الجزائر البحرية علاقات طيبة مع جيرانها المسلمين، فقد امتازت علاقتها مع الدولة العثمانية بالتعاون المتبادل فالباب العالي ساعد الجزائر عام 1518 والجزائر ردت الكثير منها مساندة الباب العالي في معركة ليبانتوا، ومنع الأعداء في البحر المتوسط من الوصول للمشرق، أما مع دول المشرق فقد كانت ولازالت سندا لهم، بصدها الحملات الإسبانية والفرنسية والبريطانية عليها، ومن أمثلة ذلك وقوف الجزائر في وجه نابليون بونبارت حينما أراد احتلال مصر عام 1798، ولم تقتصر مساندة الجزائر للمشرق على الجانب العسكري فقد تعدته لتشمل كل الجوانب منها الاقتصادي إذ خصصت الجزائر أواقفا عرفت بأوقاف الحرمين الشريفين لسقية وايواء الحجاج الذاهبين لبيت الله الحرام 

وقد كانت علاقة الجزائر بالمغرب الإسلامي علاقة جيدة إذ كانت الجزائر سندا لهم وحاميهم من الاعتداءات الخارجية خاصة الإسبانية والبرتغالية

أما العلاقات الخارجية فقد وازنت الجزائر في علاقاتها مع دول أوروبا لم تعادي الكل ولم توالي الكل وإنما كانت ندية في العلاقات إلا أن غالبها عدائي رغم ما يظهره الطرق الأجنبي من ود مسموم

كانت علاقة دولة الجزائر البحرية مع اسبانيا والبرتغال عدائية بسبب التحرشات المتكررة في المنطقة وأيضا بسبب هجوم شارل الخامس (شارلكان) بأكبر حملة صليبية على مدينة الجزائر عام 1541

ونفس الشيء بالنسبة للإمارات الإيطالية كانت العلاقة عدائية بسبب اعتداءاتها على البحرية الجزائرية في البحر المتوسط، الأمر نفسه بالنسبة للدول الإسكندافية والإمارات الألمانية خاصة بروسيا، بينما علاقتنا كانت عدائية مع روسيا القيصرية بسبب عدائها مع الدولة العثمانية. إلا أن هناك دولتين تجاوزتهم الموضة السياسية التي كانت تنتهجها الدول الأخرى وراحوا يعمدون أسلوب التكيف مع دول المسلمين والتعامل معهم بإزدواجية والتودد لهم، وهما بريطانيا وفرنسا، فقد كانت علاقة الجزائر متذبذبة مع فرنسا إذ أنها ساعدتهم في حروبهم خاصة حرب الوراثة بين فرنسا واسبانيا، وكانت في صراع معهم بخصوص شركة لانش لصيد المرجان، وكانت الجزائر أول من اعترفت بثورة الشعب الفرنسي ضد نظام الاستبداد عام 1789، لكن العداء سيبدأ في الظهور مع إنقاذ الجزائر لمصر في حملة نابليون عليها عام 1798-1799

أما بريطانيا فحاولت أن تخذو حذو فرنسا فلم تفلح إلا حصولها على اتفاقية مهمة مع دولة الجزائر البحرية عام 1682، لكن سرعان تكشر بريطانيا لمحاولة احتلال الجزائر من خلال حملة اللود إكسمونث عام 1816 إلا أنها فشلت في مسعاها

أما علاقة دولة الجزائر البحرية مع الولايات المتحدة الأمريكية ستبدأ باعترافها باستقلال أمريكا عن التاج البريطاني وتكوين دولة الولايات عام 1776، ومنذ هذا التاريخ سعدت أمريكا لكسب ود الجزائر ودفعت أموالا طائلة لخزينة الدولة كي تمر سفنها في البحر الأبيض المتوسط، إلا أنها سرعان ما إكتشفت أن ضعف وسقوط دولة الجزائر البحرية حتمية إلتحقت بركب الدول الضباع لكي تتحصل على مزايا من سقوط أسد البحر الأبيض المتوسط وهنا إلتحقت الولايات المتحدة الأمريكية لمؤتمر فيينا 1814 وبحديثنا عن مؤتمر فيينا فإنه أول مخطط للتقسيم تدرج فيه الجزائر ضمن مجموع القضية الشرقية وفي هذا التاريخ تبدأ سلسلة المؤتمرات، وفي هذه الحلقة سندرج مؤتمرين مهمين تحدثوا فيه عن الجزائر أما الأول

مؤتمر فيينا 1814-1815 وقد تم مناقشة مسألة ما يسمى بالقرصنة الجزائرية إلا أن أعضاء المؤتمر لم يتفقوا على من يقف في وجه الجزائر، وهذا ما دفع بريطانيا باتخاذ قرار فردي غير مسؤول من خلال حملة اللود اكسمونث على مدينة الجزائر عام 1816

أما المؤتمر الثاني الذي كان أكثر قوة وهو مؤتمر إكس لاشابيل في فرنسا عام 1818 حيث وجهت فيه دول أوروبا انذار إلى حاكم الجزائر الداي حسين، والذي اعتبره هذا الأخير، وهنا بدأت فرنسا تسرع خطتها وتنسج خيوط غزو واحتلال الجزائر


ختاما لما سبق أستنتج أن دولة الجزائر البحرية بقية شامخة لحوالي أربعة قرون تنشر العدل بين دول البحر الأبيض المتوسط وتقف دائما مع الشعوب في ثورتهم ضد الظلم والاستبداد كما أنها أنقذت الشعب الإيرلندي من بطش جنود إنجلترا لما سمعت صراخا قبالة شاطئ بالتيمور، إلا أن كما يقول ابن خلدون الترف مهلكة الأمم وهذا ما ساعد فرنسا وهو العدو الذي لم تكن الجزائر يوما تنظر هذا الغدر من فرنسا رغم أن الجزائر ساعدتها ووقفت في جانبها إلا أن الكافر خائن بطبعه، ويجب التعامل مع الأجانب بحكمة روية، دون أن تبدأ بالعداوة، يجب أن تتقي شر عدوك بالقوة العسكرية والقوة الناعمة. إن التاريخ ليس رواية تقرأ وإنما لنبني مستقبلا مشرق من خلال تجنب أخطاء الأسلاف


بودكست (البرنامج الصوتي)


تعليقات