تاريخ الجزائر الحديث...أحوال دولة الجزائر البحرية

 

الأسواق الأسبوعية في دولة الجزائر البحرية
المرجع: الشروق أنلاين

یعود تاريخ الجزائر لأقدم العصور، حوالي 2000 سنة قبل الميلاد من الحضارة على هذه الأرض المباركة. ودون الدخول في التفاصيل، فإن التاريخ الوسيط للمغرب الأوسط (الجزائر) سينتهي بسقوط دولة الموحدين سنة 1269، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة بصراعات، فبعد سقوط دولة الموحدين، انقسم المغرب الإسلامي إلى ثلاثة مناطق

الحفصيون: أسسها أبو زكريا يحيا بن حفض في المغرب الأدنى عاصمتها تونس

الزيانيون: المعرفة بدولة بني عبد الواد، أسسها يغمراسن بن زيان في المغرب الأوسط عاصمتها تلمسان

المرنيون: أسسها أبو محمد عبد الحق الأول في المغرب الأقصى عاصمتها فاس

دخلت هذه الدول الثلاثة في صراع حول السلطة عانت منها الدولة الزيانية حيث هاجمتها الدولة الحفصية من الشرق والدولة المرينية من الغرب وقلصوا حدودها، هذا التفكك ساعد الإسبان (بعد احتلال الأندلس سنة 1492) على احتلال الموانئ المغرب الإسلامي، فاحتلت وهران والمرسى الكبير عام 1509م، ثم بجاية عام 1510 ولما رأت مدينة الجزائر وتلمسان ما قامت به إسبانيا من مجازر استسلمتا عام 1511م وبذلك أصبحت سواحل المغرب الأوسط في قبضة الإسبان، هذا ما دفع أعيان مدينة الجزائر بالاستنجاد بأخوين عروج وخير الدين بربروس اللذان كانا في جيجل عام 1515م وقد ذاع صيتهم في العالم الإسلامي لما قاموا به من نجدة إخوانهم المستضعفين، خاصة إخوانهم الأندلسيين، حيث بدأ الأخوين بتحصين مدينة الجزائر بالمدافع لتحريرها من قبضة جنود الكفرة وبقي من سنة 1515 لغاية 1818 التاريخ الذي استطاع فيه خير الدين بربروس تحطيم حصن البينون الذي بناه الإسبان وبذلك تحررت مدينة الجزائر في نفس التاريخ، وبطلب من أعيان المدينة حسب المخطوط المؤرشفة تحت اسم الزهرة الثائرة فيما جرى حين أغارت عليها الجنود الكافرة، والتي تضح إلحاح الأعيان ببقاء خير الدين بربروس في الجزائر لحمايتها وطلب العون من السلطان العثماني سليم الأول، فقد تم إلحاق مدينة الجزائر سنة 1519 وبذلك سيبدأ فصل جديد من تاريخ هذه المدينة وبذلك سيعمم على المغرب الأوسط باسم دولة الجزائر البحرية

بعد التشكيل الرسمي لمعالم الدولة على أساس التقسيم التاريخي للمنطقة، فقد راح النظام السياسي الجديد للمغرب الأوسط (عهد الباي لربايات) للبث في التنظيم الإداري الذي بني على أساس نظام لامركزي (وهي عبارة عن توزيع المهام والوظائف على نقاط التراب الوطني حسب عدد السكان مثل البلدية الدائرة الوالية):

• دار السلطان: تشمل العاصمة وضواحيها 

• بيلك الشرق: عاصمته قسنطينة 

• بيلك الغرب: عاصمته مازونة ثم معسكر ثم وهران بعد استرجاعها عام 1792م من الإسبان

• بيلك التيطري: عاصمته المدية وهي أصغر البيالك

وكان يسير هذه البيلكات موظفون كل حسب رتبهم وتسلسلهم الإداري، حيث يتكون جهاز الحكم دولة الجزائر البحرية من:

• الوالي العام: أعلى هرم الحكم يجمع السلطتين، يعين من الباب العالي

• الديوان: الذي ينقسم إلى ديوان خاص (خوجة الخيل، الخزناجي، الأغا، وكيل الخراج، وبيت المالجي)، بينما الديوان العام يتكون من: الكتاب المساعدين لبيت المالجي، كبار ضباط الإنكشارية، القاضيين والمفتيين (المالكي والحنفي)

• الباي: من كبار الموظفين، يعين من قبل الوالي العام، وهو حاكم البياليك

• القايد: يشرف على وحدة إدارية صغيرة، يكون من الاتراك أو الكراغلة، مهمته جمع الضرائب وحفظ الأمن

• شيخ العرب: يشرف على شؤون الدواوير


والآن سنذكر نقاط القوة والضعف التي ميزت دولة الجزائر البحرية

أما نقاط القوة و إيجابيات الدولة فتتمثل في:

- تطبيق نظام الشورى في الحكم والاعتماد على العلماء للعقد والحل

- التنظيم الإداري المحكم وانتشار الأمن والاستقرار

- الحفاظ على العادات الإسلامية في التسيير الإداري (سلطة شيوخ القبائل ورؤساء العشائر)

- استقلال السلطة العسكرية والقضائية


بينما ترتكز نقاط الضعف أو سلبيات الدولة في:

- تهميش الجزائريين وإبعادهم عن المناصب العليا

- التمييز بين القبائل بمنح امتيازات لقبائل المخزن 

- النظام اللامركزي (مع أواخر فترات الدولة) الذي يشجع على التمرد والانفصال

- الاهتمام بالجانب المالي والعسكري وإهمال باقي الجوانب


بعد هذه اللمحة السياسية والإدارية سنتطرق إلى الأوضاع الاجتماعية والثقافية والتي مثلت ثراء بتنوع الأعراق وما جلبه الوافدون إلى الجزائر من إرث ثقافي.

نبدأ بالوضع الاجتماعي والذي تميز ب:

- إسهامات الهجرات الأندلسية في تطوير الإجتماعي والتجارة

- الغزو الإسباني للسواحل المغاربية وتخريبها مما أدى بنزوح المحليين

- قدوم العثمانيين بحضارتهم الشرقية الذين أثرو الحياة الإجتماعية 

وهذه التأثيرات الخارجية ساهمت في تشكل النمط الاجتماعي:

سكان الحضر (المدينة): وهم الأقلية (الطبقة المتحكمة في مقاليد الدولة)، لم يتجاوز عددهم عشرين ألف نسمة منهم الكراغلة الأندلسيين، أهل الذمة، ويقطنون في المدن الساحلية

سكان البدو (الريف): ويمثلون الأغلبية، وهم السكان الأصليين (العرب-والأمازيغ)، والذين يتكونون القبائل والعشائر مثل قبائل المخزن وهم همزة وصل بين السلطة والسكان


أما اقتصاديا فقد مارس سكان الدولة عدة أنشطة لم تختلف عن الفترات السابقة من تاريخ الجزائر، ومن هذه النشاطات نذكر:

الزراعة: هي النشاط الأصلي والغالب عند الجزائري، وأهم محصول زراعي هو القمح الذي مونت به أوروبا، بالإضافة إلى القمح يوجد الخضر والفواكه وممارسة نشاط الرعي

الصناعة: وهي الصناعات التقليدية، وكانت هناك حوالي 40 حرفة تقليدية، ولهذه الصناعة أمين وأسواق خاصة بها، وأهم هذه الحرف: صناعة الحرير والصوف والجلود، بالإضافة لصناعة السفن والأسلحة، وكان لكل صنعة سوق خاصة بها.

التجارة: ميزها الحيوية والنشاط الكبير خاصة التجارة الخارجية التي كانت مع دول أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء ودول شرق المتوسط، أما التجارة الداخلية فتمثلت في الأسواق الأسبوعية بالحواضر والقوافل التجارية التي كانت تجوب جهات البلاد


أما الجانب الثقافي فقد إزدان بثرائها لما أضفته الأعراق الوافدة إلى دولة الجزائر البحرية خاصة الأندلسيين، ونميز شقين في هذا الجانب:

1. التعليم

انحصر التعليم على الحواضر الكبرى مثل تلمسان-بجاية وقسنطينة

تخصيص السلطة لجزء من الأوقاف (1/4) للمؤسسات التعليمية حيث تتكفل بتسيره لجنة الأوقاف والزواية، بالإضافة لتمويل أولياء التلاميذ لجزء من التعليم

كان التعليم يمر بمرحلتين

المرحلة الأولى: يشرف عليها الكتاب والمساجد على تلقين القراءة والكتابة وحفظ القرآن والحساب لمدة أربع سنوات

المرحلة الثانية: تستقبل الناجحين المدرسة (العالية) وتلقنهم علوم الشريعة والعلوم الإنسانية (التاريخ والفلسفة)

2. الفنون

تأثر المجتمع الجزائري بالروافد الحضارية ساهمت في إثراء الفنون:

- الفن المعماري: بناء الحصون والقصور والحمامات والمداري

- الرسم: تزين العمارة والأبنية بالرسوم والزخرفة، والحفر على الخشب والطرز على الحرير

- الموسيقى: عرف الجزائريين على عدة طبوع موسيقية منها الأندلسي (الموشحات) والعثماني والبدوي المحلي، بالإضافة للمديح النبوي في الزوايا


ختاما لما سبق نستنتج أن مظاهر الدولة الجزائر بالمفهوم القانوني الحديث تشكلت وفق:

 مجالها الجغرافي بحدوده الحالية واستقلال خزينتها عن الدولة العثمانية وسك النقود باسمها واتخاذ أختام خاصة باسم الجزائر

 امتلاكها لقوة عسكرية ضاربة ممثلة خاصة في الأسطول البحري وقبضها للإتاوات المفروضة على الدول الأوربية 

 توقيع الجزائر للمعاهدات والاتفاقيات مع الدول الأجنبية واستقبال قناصلها وبعثاتها الدبلوماسية 

         تقسيم الجزائر إلى أربع بيلكات: بيلك الشرق – بيلك الغرب – بيلك التيطري - دار السلطان وتعيينها عاصمة للبلاد


بودكاست (برنامج صوتي)


تعليقات