تشابه الألعاب الشعبية بين دول عالم الجنوب ودورها في التواصل الحضاري (فال حافظ الإيرانية والبوقالة الجزائرية انموذج)

مقدمة:
الإنسان اجتماع بطبعه هذا ما قاله العلامة عبد الرحمن ابن خلدون، وهي حقيقة لا يمكن نكرانها لأن البشر يعيشون في شكل مجموعات وهذه المجموعات لا يمكن أن تعيش وحدها وإنما تسعى للتواصل مع المجموعات الأخرى وبهذه السنة الكونية تبنى الحضارة وتزدهر الثقافة، ومن أثار التواصل بين هذه المجموعات انتشار ثقافات تلك الشعوب في المجموعة الأخرى وربما تعدل تلك الثقافة لتصبح متلائمة مع طبيعة تلك المجموعة. بالإضافة للتراث المادي من لباس وأثاث ومنحوتات فإن التراث إن التراث اللامادي أيضا له دور في هذا التواصل الحضاري، ومن أهم هذا التراث اللامادي الذي أتكلم عليه في هذه المحاضرة نجد الألعاب الشعبية مثل فال حافظ عند الإيرانيين وعلاقتها بالبوقالة الجزائرية، ومن هنا يمكننا طرح الإشكال الاتي:
ما هو فأل حافظ والبوقالة؟
ما هي نقاط التشابه والاختلاف بين هذين اللعبتين؟
كيف ساهمت مثل هذه الألعاب في الانتشار عند شعوب البلدين؟


1- لمحة عن فأل حافظ والبوقالة
سواء فأل حافظ أو البوقالة كلاهما نسعى من خلاله للبحث عن طالعنا، ونتمنى أن نتعرف على مستقبلنا، ولذا فقد وجدت هذه الألعاب كوسيلة للترويح على النفس وتطيب الخاطر، وفي هذا العنصر سأقدم لمحة مختصرة عن فال حافظ والبوقالة، أما فال حافظ: فحسب العادات الإيرانية القديمة يقوم الإيرانيين في مناسبات محددة مثل عيد النوروز (بداية السنة الإيرانية فرواردين) أو شب يلده (أطول ليلة في السنة أذر) بقراءة شعر من ديوان حافظ الشيرازي (شمس الدين محمد حافظ الشيرازي (نحو 725 - 792 هـ) الملقب ب«خواجه حافظ الشيرازي» والشهير ب«لسان الغيب» من أشهر الشعراء الإيرانيين. يعتبر أشهر شعراء الفرس الغنائيين[1]) يعتبر فال حافظ ثروة الإيرانيين الأكثر شعبية، ويوجد حاليا بكل بيت هذا الديوان (ديوان حافظ)[2]
أما البوقالة، والتي أخذت تسميها من الكلمة الأمازيغية بوقال وهو إناء فخاري لنقل الماء أو الزيتون فيه، وهو أصل هذه اللعبة الذي لولاها تفقد هذه اللعبة جمالها، ويرجح أن هذه اللعبة تعرفها عليها الجزائريين بعد مجيء الأندلسيين المورسكين الذي عانوا من الاضطهاد على يد الصليبين فهربوا ولجأوا لسواحل شمال إفريقيا ولذا انتشرت هذه اللعبة في المناطق الشمالية كمدينة الجزائر ومدينة تيبازة وبجاية وغيرها من المناطق، ويرجع أن هذه العادة موجدة في الجزائر منذ أكثر من ثلاث قرون[3].



2- آليات اللعبة
فی هذا العنصر سأتكلم عن البوقالات، كيف تتم هذ اللعبة؟
تجتمع النسوة في سهرة رمضان بعد ذهاب الرجال لصلاة التراويح في غرفة الضيوف أو بهو البيت، وتجتمع النساء الكبيرات والصغيرات العازبات والمتزوجات، وخاصة التي تريد أن تبحث عن نصيب وتتسرع لمعرفة من سيكون فارس أحلامها أو المرأة المتزوجة التي ذهب زوجها للعمل مدة طويلة فتتشوق لمعرفة أخباره وتريد أن تسمع فئلا طيبا يطيب خاطرها، وتبقى السهرة حتى لقبيل صلاة الصبح، تضع النسوة إناء فخاري تضع داخله الماء خواتمهن أو قطعة ذهبية (تعرف في الثقافة الجزائرية باللويزة) خاصة بهن للتعرف على صاحبته، فتضح أحد النسوة يدها داخل الإناء إذا لم تجد القطعة الذهب تقوم امرأة أخرى بنفس الفعل، وإذا وجدت القطعة تقوم بعقد جزء من خمارها أو تنورتها وتنوي للحبيب أو زوجها الغائب الذي تريد معرفة أخباره، ولما يتم الأمر تشير إلى المرأة الأكبر سن داخل المجلس لتقول شعر البوقالة مما تحفظه (الأشعار تكون في شكل موشحات أندلسية ويحفظها كل عجوز وهي غالبا نابعة عن التجارب الإنسانية أو قصص خرافية وغالبها أشعار غزليات) ودائما تبدأ باسم الله فتقول: (بسم الله بديت وعلى النبي صليت وعلى الصحابة رضيت، يا مغيث كل مغيث هذه البوقالة نويت) وتكمل بعد هذا الاستفتاح البقالة والتي تكون فأل طيب ومن البوقالات (الريم الريم قول اللالة لا تتغير، ياك لحباب على حبابها كامل يغيبوا إذا كنت بنت لحيا واللزمية لي خليتوا فيك كامل نصيبوا)[4] ومن أشعار البوقالة الأخرى ما جاء فيها: (فاطمة يا فطوم على مولات (صاحبة) الحاجب المقرون (المظفّر)، عليها نخلي (أترك) بلاد دزاير ونزيد بلاد الروم) ومن البوقالات التي تطمأن قلب الزوجة ما جاء فيه: (أحمد يا أحمد أرواح تشوف حالي (تعال أنظر حالتي)، راني كي الحزين ما عندو الوالي، حن عليا وزيني حالي) وأيضا (خرجت لقاع (أسفل) الجنان (الحديقة) لقيت الرمل يحرق، لقيت ذاك الشباب (شاب جميل) تحفيفتوا (حلاقته) تبرق (زادته جمالا) عليه نرمي لولد وعليه نطلق وعليه نكري دزاير ونرجعها فندق). وفي الأخير عندما تكمل المرأة الكبيرة قراءة الطالع، تقوم الفتاة التي عقدت النية على هذه البوقالة بالبوح لمن نوت هذه البوقالة.



3- التشابه والاختلاف بين فال حافظ والبوقالة
قد يلاحظ العارف بالثقافة الإيرانية والثقافات الشرقية عموما بتشابه في بعض المواضع بين طريقة اللعب للبوقالة وطريقة فال حافظ، فأهم وأبرز نقاط التشابه نجد العقد والنية وهي ورمزية تعبر عن رغبة في تحقيق هذا الطالع والنية هي أحد أعمدة الدين فالنية تكون قبل الفعل ليسهل الله ذلك الفعل، فالمرجح أن الشعوب التي أنشأت هذه اللعبة حاول أن تمزج الدين بالشعر وابتكار طريقة لتطيب قلوب من عانوا حرقة فراق الزوج أو من تنظر فارس أحلامها. أما الشعر ذو الطالع الطيب الموجودة في اللعبتين فهو أسلوب لرفع المعنويات ولي التسلية وهو يندرج ضمن الفأل فالفأل الطيب قد يكون كلاما وقد يكون رؤيا جميلة في المنام. بينما الإعتماد على الخاتم في فأل حافظ والقطعة الذهبية أو خاتم في البوقالة أي إستعمال المعدن لإختيار من سيكون له الشرف لإستقبال الفأل الطيب والمعدن يدل على رفعة المقام والشيء الغالي الثمين، لذا استعملت في هذين اللعبين لإثبات مدى رفعت صاحب الطالع أو الفأل. في كل من اللعبيتين يبدؤون باستفتاح والذي يكون فيه اسم الله كطلب الرجاء من الله عز وجل لتلبي تذلك الفأل وتحقيقه.
بعد البحث وجدت نقطتين اختلاف بين اللعبتين، فالشعر في فأل حافظ مدون في ديوان كتبه شخص وهو حافظ الشيرازي ويرويه من يتم تكليفه باختيار الشعر في ذلك الديوان ويتم قرأته في أعياد النوروز أو الشب يلدا، بينما البوقالة تعتبر شعر موشحات هو شعرا غنائي أندلسي كتبه عدة أشخاص يتم حفظه من قبل العجائر وهو متوارث شفهيا، يجتمع حوله النساء في مناسبات محددة مثل سهرات رمضان وقد يكون خارج المناسبات للتسلية فتجتمع النساء حول البوقالة لمعرفة الطالع.


خاتمة
ختاما لما سبق أستنتج بأن التواصل الحضاري سنة إلهية تسهم في تطور الشعوب ثقافيا وتوعويا، فقد تبادلت الشعوب بعض العادات مع شعوب أخرى أصبحت فينا بعد متجذرة في ثقافتها، كما أن ثقافة الفأل وهي ثقافة عابرة للقارات كما توجد في الجزائر وإيران فيهي موجودة في أوروبا وأمريكا والجزيرة العربية وأواسط آسيا والهند والصين وكل وضع لعبته الخاصة لاستحضار الفأل.


[1] البعلبكي, منير، معجم أعلام المورد، ط1، دار العلم للملايين: بيروت، صفحة 169.
[2] از سايت نامناك گرفتم، لينك:

[3] أخذتها من موقع هي الجزائرية، رابط المقال:
       
[4] تفسير هذه الكلمات في مجملها، عن فتاة ذهب زوجها للعمل خارج البلاد ويوصيها من بعيد بأن لا تخونه وأن تبقى على نفس الطباع الطيبة التي تركهم فيها

تعليقات