دراسة عامة لكهف شانيدار

مقدمة

الإنسان محرك الحضارة، حيث تنشأ بدائية فتكبر وتتطور ثم تضعف وتضمحل فتموت، وهي سنة كونية ثابتة، لهذا يدرس التاريخ وتبعث البعثات العلمية لي التنقيب عن الحضارات التي خلفها الإنسان الأول في هذه المعمورة كي نتعرف عن أسرار هذه الحضارات والتي بفضلها نتعرف على مستقبلنا لهذا فالتاريخ هو مرآة الماضي ودرس الحاضر. مع تطور العلم أصبح الإنسان في حاجة لمعرفة من هو صاحب أول حضارة، لهذا كانت الجامعات ترسل بعثات علمية إلى المواقع الأثرية للتقصي عن أصل الإنسان، ومن هاته المواقع نجد كهف شانيدار، حيث يعتبر الموقع الأهم لدراسة إنسان الشرق الأوسط، إذا ماذا إكتشفنا في هذا الكهف؟ ومن هو الإنسان الذي إستوطن فيه؟ وما هي الأدوات التي إستعملها والتي تعرفنا بحضارته؟

دفعني شغفي بتاريخ الشرق الأوسط إلى البحث في أسرار المنطقة ما هي الحضارات التي وجدت بها، وكيف إستطاع إنسانها أن يأثر ويتأثر بالحضارات الأخرى، إلى عمل هذا البحث ومحاولة إيجاد أجوبة عن الأسئلة التي تشغل بالي.

أهم الصعوبات التي واجهتي في هذا البحث هي نفسها الصعوبات التي يواجهها الباحثين في التاريخ القديم والتي تتمثل في قلة المراجع المعتمدة لإنجاز هذه الدراسة المقتضبة، وكذا عدم تمكني من السفر إلى الموقع للمعاينة وتقصي الآثار.

الموقع والموضع

       يقع الكهف في الإحداثيات الفلكية

36°4802N

°44 1436E[i]

  أما التحديثات الجغرافية فيقع كهف شانيدار في محافظة أربيل بشمال العراق في أعالي جبال برادوست ضمن السلسلة الجبلية زاجروس[ii]، يرتفع الموقع ب2100 م على سطح البحر على الضفة اليسرى لنهر الزاب الأعلى[iii].

 

التنقيبات

 قامت جامعة ماشكن والمعهد السمثسوني بعملية تنقيبية في هذا الموقع بداية من 1951 بغية دراسة تاريخ الإنسان في منطقة جبال الزاجروس[iv] وبقيت هذه التنقيبات متواصلة إلى غاية 1961 وقد قام الباحث الأثرى رالف سوليكي بكتابة دراسة حول كهف شانيدار معنون ب: “العصر الباليوليتي في مقابر كهف شانيدار"، ولازالت لحد الآن الدراسات متواصلة في هذا الكهف[v].


وصف الكهف

 يعتبر كهف شانيدار من أكبر الكهوف في شمال العراق، إذا تبلغ فتحته 27 متر، أما إرتفاعه فيصل إلى 8 أمتار وطوله 40 متر، ويتسع عرضه من الداخل ليصل إلى 60 متر[vi]، ويظهر الموقع من سفح جبال برادوست للعيان، حيث أصبح حاليا معلم سياحي في شمال العراق.


التأريخ لموقع الكهف

أسفرت علمية الكشف بعد الحفر لمسافة 43 قدم [الشكل 3] على وجود أربع طبقات أثرية علمت بالأحرف اللاتينية [vii]A.B.C.D، ويبلغ سمك كل طبقة 15 متر[viii]، حيث عثر في الطبقة الحديثة A على آثار ترجع للعصور التاريخية وتتمثل هذه المخلفات في قدور وأواني فخرية، ووجد أسفل هذه الطبقة على آثار من العصر الحجري الحديث والتي أرخت بفضل كربون 14 إلى 8000 سنة ق.م[ix].

ووجد في طبقة B على آثار ترجع للعصر الحجري الأوسط المؤرخة ما بين 15000-10000 ق.م، عثر فيها على أدوات حجرية متطورة مثل المنجل والتي تشتهر بها هذه الفترة، وهي مشابهة لما كانت تشتهر به الحضارة الموستيرية وهذا ما يبرز إنتشار الحضارة الموستيرية في الشرق الأوسط في هذه الفترة.[x]بينما في طبقة C نجد آثار ترجع للعصر الحجري القديم الأعلى وأهمها أدوات حجرية قزمية[xi]، حيث وجدت مشابهة لما كانت تتوفر عليه الحضارة الموستيرية، وأرخت هذه الطبقة ما بين 35000-15000 سنة ق.م، وتعرف مخلفات هذه الطبقة بالحضارة الرادوتسية[xii]

أما في طبقة D وهي أهم طبقة أرخت إلى ما بين 60000-45000 سنة ق.م أي في العصر الحجري القديم الأوسط[xiii]، واعتبرت هذه الطبقة لأهم بما تحتويه من آثار تعرفنا بتاريخ الإنسان في تلك المنطقة مقارنة بما كان سائدا من قبل من فقدان المعلومات عن الإنسان وحضارته في منطقة جبال زاجروس[xiv]، و قد إحتوت هذه الطبقة بجانب الإنسان والحيوان إلى آثار لأدوات حجرية بدائية المنتمية للحضارة الموستيرية من بينها مكاشط وخناجر حجرية.

الإنسان ومخلفاته في كهف شانيدار:

يعتبر الأنتروبوجيون أن إكتشاف كهف شانيدار يعتبر أهم حدث في هذه الدراسة كونها تثبت وجود إنسان النيوندرتال في الشرق الأوسط (الأدنى والأقصى)، وأيضا لأن لأن هذا الكهف هو الوحيد الذي إستطاع المؤرخون التأريخ  للحضارة الموستيرية في لمنطقة[xv]. في هذا الكهف أرخ لإنسان النيوندرتال في المنطقة عموما وجبال زاجروس خصوصا بعكس الكهوف الأخرى (كهف هزار مرد (السليمانية) كهف حاج فيروز (إيران)...إلخ).

       بدايتا بطبقة D التي تؤرخ لفترة 60000-45000 سنة ق.م[xvi] وهناك من أرجعها إلى 50000 سنة ق.م، حيث عثر على تسع جثث للإنسان النيوندرتال، وقام علماء الآثار بتسميتهم لشانيدار 1-9، حيث عثر في هذا الكهف على ذكريين شابين ( شانيدار 2 وشانيدار 4) وأنثيين بالغتين(شانيدار 6 وشانيدار 8) وطفلين دون سن البلوغ (شانيدار 7 وشانيدار 9) وثلاث كهول (شانيدار 1 شانيدار 3 وشانيدار 5)[xvii]، وبعد عمليات تحليل الجثث وجد أن شانيدار1 كان مصابا في شقه الأيمن ويرجح أنه مصاب بشلل نصفي، وكان يعاني من العمى، لكنه كان يأدي دوره الطبيعي في مجتمعه[xviii]. وجد بجانب هيكل الإنسان هياكل لحيوانات أبرزها المعييز والغزال  والأغنام، وهذا إن دل على شيئ إنما يدل على أن الحيوانات التي يرجح أنها دجنت في العصر الحجري الحديث قد أثبت أنها دجنت قبل ذلك أي في الفترة التي نحن في صدد الحديث عنها[xix].

       الملاحظ لتواريخ تواجد إنسان النيوندرتال في هذا الكهف يرى بغياب هذا الإنسان من المنطقة في الفترة ما بين العصر الحجري القديم الأوسط والأعلى أي ما بين 45000-35000 سنة ق.م إذا يرجح أن المنطقة قد تعرضت لفترة برد شديدة دفعت بهذا الإنسان إلى مغادرة الكهف مؤقتا ليعود إليه بعد مرور هذه الفترة[xx]، علما بأن هذا التاريخ يصادف الفترة الجليدية في أوروبا الرابعة جينز.

     لا يهمنا كثيرا ما وجد في طبقة C لأنها على العموم لا تختلف عن الطبقة السابقة بإستثناء وجود أدوات حجرية قزيمية التي يشتهر بها العصر العصر الحجري القديم الأعلى[xxi]. أما ما يمكن أن يبرز التغيير وهو طبقة B التي وجد بها إنسان نيودرتال بجانبه زهر وهذا يدل لأمرين إما أنهم إهتموا بتربية النباتات أو أنها طقوس جنائزة والمرجح أن القول الأخير هو الصائب لأنه ولأول مرة في المنطقة عثر في هذا الكهف وفي هذه الطبقة بالتحديد على مقبرتين بها 35 قبرا[xxii]، وهذا يدل على أن الإنسان عرف الطقوس الجنائزية ومن المؤكد أنه عرف الدين إذا أن الطقوس الجنائزية لا تكون إلا بتدين ذلك المجتمع[xxiii]


الخاتمة:

       ختاما لما سبق نستنتج أن تاريخ كهف شانيدار رغم ما عثر فيه من أربع فترات تاريخية متتالية ومخلفات الإنسان وإبداعاته إلا أنه لا يمكنه أن يعطينا نظرة شاملة عن تاريخ الشرق الأوسط عموما ومنطقة جبال زاجروس خصوصا لأن هناك حلقات مفقودة بين الفترات الزمنية تبقى مجهولة ولحد الآن مازال العلماء يدروسون الإنسان وحضارته القديمة في هذه المنطقة



[i] Google Earth Application, Irbil-Iraq

[ii]         أحمد أمين سليم، تاريخ العراق-إيران-آسيا الصغرى، د.ط، دار المعرفة الجامعية: القاهرة-مصر، 2000، ص68

[iii]        تقي الدباغ، الوطن العربي في العصور الحديثة، ط1، دار الشؤون الثقافية العامة: بغداد-العراق، 1988، ص76

[iv] أحمد أمين سليم، المرجع السابق، ص68

[v] Nicky Milner (2005). Antiquity, 79, pp 713-714 doi:10.1017/S0003598X00114711

[vi] تقي الدباغ، المرجع السابق، ص76

[vii] المرجع نفسه

[viii] أحمد أمين سليم، المرجع السابق، ص68

[ix] سعدي الرويشدي، الكهوف في الشرق الأدنى، ص261

[x] رالف سولكي، ثلاث هياكل عظمية لإنسان نيوندرتال في كهف شانيدار، مجلة سومر التاريخية، العدد السابع عشر، سنة 1961، ص98-99 / القسم الأجنبي

[xi] محمد الفتحي بكير محمد، الجغرافيا التاريخية (دراسة أصولية تطبيقية)، د.ط، دار المعرفة الجامعية: السويس-مصر، 1999م، ص377

[xii] Corinne Julien et Khadija Touré (UNESCO), Histoire de l’humanité, s.e, UNESCO: Paris-France, V1, Pp410

[xiii] محمد الفتحي بكير محمد، المرجع السابق، ص377

[xiv] UNESCO, Op.Cit. P408

[xv] Ibid

[xvi] سعيد الرويشدي، المرجع السابق، ص 261

[xvii] تقي الدباغ، المرجع السابق، ص 76

[xviii] UNESCO, Op.cit. P289

[xix] تقي الدباغ، المرجع السابق، ص 76

[xx] محمد الفتحي بكير محمد، المرجع السابق، ص478

[xxi] سعيد الروشيدي، المرجع السابق، ص261

[xxii]      Nicky Miln, Op.Cit. P713

[xxiii]     UNESC, Op.Cit. 293


الملاحق













تعليقات