في آليات نهضة الدول: تركيا أنموذج

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؛ اما بعد:
الحضارات تنشأ عند مصبات المياه، وتكون في شكلها القبلي ثم تتطور لتأخذ شكل المدينة، ولا يمكن لأي حضارة من الحضارات أن تستثنى من هذه القاعدة، لكن لكل حضارة مميزات تميزها عن الحضارة الأخرى، فترى أن تلك الحضارة تسعى لتطور ما يميزها إلا أن النقص الذي يحومها تسعى للتستر عليه عن طريق تشكيل تكتلات غالبا ما تبدأ التكتلات بشكل من التضحية عن طريق التبادل الثقافي وإقامت الطرق والممرات وبذلك كل غالي ونفيس لتتكون الثقافة فيسهل بذلك وضع الأسس لبناء تكتلات إستراتيجية والدفاع المشترك ضد الأخطار التي يتوقع أنها تهدد تلك الدول المنتمية لنفس الحضارة.
لو أسقطنا هذا التنظير على الواقع، لوجدنا مثلا أن تركيا بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية خسرت تقريبا كل ما ربحته في أوج قوتها عندما كان لديها حدود خلفية، ومعه أعلنت الدول التي كانت خاضعة لها (العرب-الأكراد-الأرمن) العداء وهؤلاء الأعداء تحالفوا مع أعداء الحضارة التي ينتمي لها (العرب-الكرد)، فكان هناك شرخ حضاري عريض، وأصبح أنصار حضارة الغرب يعمقون المشكلة الحضارية الكبرى في العالم الإسلامي بإسم الدراسات الشرق أوسطية، هذه الدراسات هي التفكير الغربي لتعميق الخلافات بين مختلف مكونات المنطقة (في الواقع مصطلح الشرق الأوسط أصبح معتمدا في الدراسات الإستشرافية للمنطقة). في نهاية الحرب العالمية الثانية لم ترد تركيا أن تدخل في أي حلف وفضلت أن تكون دولة جامدة هامدة وبخاصة مع الخطأ التي إرتكبته في تخليها عن الجزر الإثنى عشر المشرفة على اليونان، وعليه أصبحت ضرورة الدخول في حلف لإحتفاظ بمكتسابتها مهم، فكان لها أن تخضع للحلف الغربي (الأطلسي NATO) ثم حلف بغداد بعد أن أصبح الحلف المركزي، وبقيت تركيا دولة جامدة طيلة الحرب الباردة، لكن ما بعد الحرب الباردة سعت لتكون عمقها الإستراتيجي وإسترجاع حدودها المطاطية بعد أن خضعت لعقود لسلطة الغرب، وعليه فحسب داوود أوغلو فقد حان للعملاق التركي، وكانت إيران هي أول دولة خرجت من قوعت السيطرة الغربية بعد ثورتها الإسلامية سنة ١٩٧٩ وإصدارها لدستور الثورة، وكان لتركيا نفس الفكرة القومية والتي لا تخلو من البعد الإديولوجي وبذلك يبدأ التنافس في تزعم الأمة الإسلامية، وكان لمليزيا وپاكستان نفس المشروع النهضوي والذي يسعى للتخلي عن السيطرة الغربية وبناء علاقات ندية مع الحضارات الأخرى والسعي لبناء أمة إسلامية كبيرة على النسق الحديث.
وبناء على هذا كله نتوقع ما يجب أن تكون عليه الجزائر بعد نظام أحادية القطبية وبداية نظام متعدد الأقطاب، على الجزائر أن تنفتح من القوقعة التي أقحمت نفسها فيها منذ ١٩٩٢، الإنفتاح يجب أن يكون حذرا بوضح برامج منظم لإدخال مراكز الثقافية لدول الجوار ولا تقتصر على أوروبا وجنوب أوروبا فقط وإنما تتعدى إلى دول ما وراء نهر جيحون (كزخستان-ازبكستان) وأيضا دول أوروبا الشرقية، وأيضا على الجزائر أن تخطط لبناء إستراتيجية للدخول الفعال والنشط في الإتحاد الإسلامي والمسارعة لتبني المشروع التركي المليزي الباكستاني في المجال الشاركة الإقتصادية، والعمل على التفكير لتكوين تحالف إستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط ودول الجنوب أي أفريقيا وكذا تحالف إستراتيجي فعال داخل الدول العربية لتأمين حدودها ومنع إثارة القلاقل داخل الوطن. إن الجزائر دولة لها تاريخ وواجب أن يكون لها عمق إستراتيجي، وهذا لموقعها الهام، وواجب أن تستغل هذا الموقع وكذلك جالية الجزائر في الخارج لصالحها، وتشكيل أوراق ضغوط، ودعم علاقتها الخارجية.
هناك في هذه المقالة بعض ما جاء في كتاب: أحمد داوود أوغلو، العمق الإستراتيجي

جل الأفكار مرتبط بنظرتي وليس من الضروري الأخذ بها، وكل نقد فمرحبا به.

والحمد لله أولا وآخرا

تعليقات