حلقة اليوم: " الأزمة تولد الهمة"...ثورة شعوب تواقة للحرية
تكمل ما تم التطرق له سابقا، فبعد أن استعمل الاستعمار سياسته الخبيثة لاستحواذه على أراضي إفريقيا وآسيا وما انعكس عن هذه السياسة على شعوب دول عالم الجنوب من ظل وقهر وزرع للنعرات القبلية والحدودية التي لم تكن معروفة من قبل، فقد نتج عن كل هذه الضغوط والقهر انفجار شعبوي منظم سيسهم في استرداد الحرية والاستقلال لكنه غير كامل بفضل خبث الاستدمار وحيله الماكرة
جمال الدين الأفغاني (اسدآبادي) موسوعة ويكيبيديا الحرة |
كما تم التطرق له، لم تأتي الثورات الشعبية في دول عالم الجنوب من عدم وإنما هي وليدة ظروف داخلية والخارجية، أما الظروف الداخلية فتتمثل في الوجود الاستعمارية، وظهور مصلحين في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين خاصة جمال الدين الأفغاني وما نشره من أفكار تحررية وهو من قال: "الأزمة وتولد الهمة" وقد دعى بشكل صريح للثورة ضد الاستعمار لهذا فقد حاربته فرنسا وبريطانيا كما حاربه عملاء الاستدمار مثل أسرة الخديوي المتمثلة في الخديوي توفيق في مصر. هناك ضرف أخر مهم أيضا وهي بداية الحرب العالمية الأولى (1914-1918). أما الظروف الخارجية فتتمثل أولا في ظهور الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 ومشروعها المتمثل في دعم حركات التحرر ومحاربة الإمبريالية الاستعمارية، وظهور منظمات دولية تدعي حماية حقوق الإنسان مثل عصبة الأمم وبعدها هيئة الأمم المتحدة وجاءت هذه المنظمات بالفكر التي أقرها الرئيس الأمريكي ولسن في بنوده 14 وهي "حق الشعوب في تقرير مصيرها"
القائد البلشفي لينين يقوم بتعبئة الشعب للثورة ضد القيصر الروسي من أحد صفحات الفيسبوك |
لقد كانت للمقاومة أسباب عديدة ومتنوعة لقيامها، نجملها في: نذكر أبرز عامل وهو القهر والاستبداد المسلط من قبل الاستدمار الغاشم. وهناك عامل آخر وهو اكتساب الشعوب خبرة عسكرية وإدارية مهمة جراء مشاركتهم القصرية في الحروب التوسعية التي خاضها الاستدمار مثل الحرب البروسية حرب القرم والحربين العالميتين، وهناك عامل مهم أخر وهو ظهور وسائل الإعلام للتعبير عن مواقف الشعوب من الاستعمار والتعبئة الشعبية للقيام بالثورة
والآن بعد ما ذكرت الظروف والأسباب، سأعرج إلى المبادئ المشتركة التي ميزت حركات التحرر في إفريقيا وآسيا، منها:
• الحقد المشترك ضد الاستعمار ورفض وجوده
• تنوع وسائل وأساليب الكفاح التحرري (سياسي، ثقافي، عسكري...)
• التزامن التاريخي لها وتبادل التأثير والتأثر بينهما (عصر الثورات في عالم الجنوب)
• تعدد الأطراف التي حاربتها (الاستعمار، الأنظمة العميلة)
• تبني الشعوب لأهداف هذه الحركات
• تركيزها على الكفاح السلمي السياسي بين الحربين والعسكري المسلح بعد الحرب العالمية الثانية
أما الأهداف المشتركة لحركات التحرر في المنطقة، فترتكز على طرد الاحتلال من أراضيها وتحقيق السيادة، بالإضافة للتعاون المشترك بينها، وقد تمكنت دول إفريقيا وآسيا من تحقيق هذا التعاون في مؤتمر باندونج 24 أفريل 1955 وقد توج هذا التعاون بخلق منظمة سياسية رسمية تم الدول المستقلة حديثا وسميت بحركة عدم الانحياز عام 1961
دول منظمة حركة عدم الإنحياز ويكيبيديا |
والآن سنعرج إلى الأساليب التي انتهجتها حركات التحرر، وقد مزحت بين أسلوبين بارزين منها الكفاح العسكري المسلح والكفاح السلمي السياسي والثقافي، فقد اعتمد أحمد عرابي في مصر أنموذج الكفاح العسكري ضد النظام العملي الخديوي توفيق سنة 1881، وهي مقاومة شعبية رسمية لأن أحمد عرابي كان في تلك الفترة يمثل وزير الحربية لمصر وقد آمن الشعب بمشروعه وقادت الثورة معه. وهناك أيضا عبد الكريم الخطابي في المغرب الأقصى حيث اعتمد على أسلوب المقاومة الشعبية المنظمة ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني وانطلقت ثورته من منطقة الريف. أما الكفاح السياسي، فنجد أن جل الحركات اعتمدته مثل الأحزاب السياسية كالحزب الوطني التونسي بقيادة بورقيبة، وهناك أسلوب المظاهرات والعصيان المدني كالذي جاء به المهاتما غاندي في الهند باسم ثورة اللاعنف، وكذلك هناك أسلوب مقاطعة المنتجات الاقتصادية، وأيضا إنشاء المجلات والجرائد من أجل التعبئة العامة للشعب
لم يستسلم الاستعمار لثورات الشعوب وانما انتهج أساليب ماكرة لكي تبقى دول إفريقيا وآسيا البقرة الحلوب لأوروبا وأمريكا حتى بعد تحررها، فيا ترى ما هو هذا الأسلوب؟ سنفصل هذا وأكثر في الحلقة القادمة من البرنامج.
تعليقات
إرسال تعليق