قال الله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} [الآية]الدول كدورة حياة البشر، تبدأ فتية قوية محصنة من الأمراض، ثم تشب ويقوى عودها، ثم تلين وتستقر، ثم تسقم وتمرض، ثم تموت فإما يطول خروج روحها وإما تفيض روحها من أول زفرة، وحسب تقدير الأستاذ عبد الرحمن ابن خلدون الذي يرى بأن الدولة لا تزيد فوق ثلاث أجيال حتى تبدأ بالسقوط، وهذا حال الدولتين التركية والفارسية في أواخرالعصر الحديث، فبعد أن بدأت الدولة التركية (العثمانية) على يد عثمان ابن أرطغرل عام 1299م والدولة الفارسية الحديثة (القاجارية) عام 1785م على يد أغا محمد خان بنشاط وحيوية وقوة لا مثيل لها، ثبتت أركانها ووطدت أصولها، فأقامت الدولة العثمانية الحصون والقلاع وكونت جيش لا يقهر فتوسعت وذاع صيتها، ونفس الأمر بخصوص الدولة القاجارية والتي كانت قبلها الدولة الصفوية 1500م ثم الدولة الأفشارية 1736 ثم الدولة الزندية الكردية 1753، فقد قضت على المتمردين وأنهت زمن الفوضى، إلا أن كلتا الدولتين سرعان ما إهتزت أركانها بظهور من يشترون المناصب والمسؤوليات من دون كفاءات وأصبت المناصب تشريفية لا مسؤلية، وبات الوزراء والسفراء يشترون بالمال، وكثرة العمالة للغرب، فمن هنا بدأ الوهن يدب في الدولتين حتى ولو ظهر في كلتا الدولتين من يعيد السكة إلى الطريق إلا أن كثرة الخيانة الفساد وغياب العدل وإفتاء رؤس الجهلة في الناس أدى إلى سقوط الدولة. ففي الدولة العثمانية عبد الحميد الثاني لمشاريع تسعى لنهضة الدولة وإحياء الخلافة لكن دون جدوى، فبنى السكة الحديدية بغداد برلين وأسس الجامعة الإسلامية، إلا أنه لم يستطع أن يغير من الوضع خاصة لما حاول التخلص من الإضطرابات داخل الدولة بالعنف منها مآسات الأرمن، فكل هذا دفع بالبروبغاندا للعمل، وأيضا دفع للعملاء من نخر عمود الدولة فهذا مدحت باشا الذي ألب الناس ضد عبد الحميد الثاني.
أما بخصوص الدولة القاجارية والتي ظهرت نفس أسباب السقوط التي ظهرت في الدولة العثمانية، مع بروز العمالة لروسيا وبربيطانيا، ظهرت شخصية فارسية حاولة إجاع سكة الدولة ففي عهد الشاه ناصر الدين قاجار ظهر الصدر الأعظم تقي خان الفرهاني المعروف ب"أمير كبير" ففي أول يوم تولى مهمامه في الدولة، قام بتصفية وسجن الخونة أعداء الدولة وأسس دار الفنون وهي جامعة يدرس بها جميع العلوم، وأمم مؤسسات البلاد، إلا أن العمالة والخيانة كانت سارية داخل الدولة إذ إستطاعت روسيا بإيعاز من الأسرة الحاكمة بتأليب ناصر الدين قاجار ضد أمير كبير لقتله، فكان جزاء المصلح الموت.
سبب دمار الدول وهلاكها، حبها للمال وتركها للعمل، هذا ما يؤدي بظهور الخيانة وللعمالة للغرب، وأهم أسباب سقوط الدول الطبقية المدمرة التي تفرق الناس إلى غني فاحش مبذر وفقير مذلول يأكل من الزبالة-أكرمكم الله- وعليه فيسهل للغرب تفريق مكونات الدولة، حيث يغيب الأمن ويتهدم العمران، وحسبنا الله ونعمى الوكيل.
التاريخ عبر فمن شاء إعتبر
أحسنتم في الكلام
ردحذف